فضل صيام ستة أيام من شهر شوال
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. وبعد...
فإن صيام ستة أيام من شوال سنة ثابتة، فقد ورد في ذلك حديث أبي أيوب الذي في صحيح مسلم وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من صام رمضان ثم أتبعه بست من شوال فكأنما صام الدهر كله"،
وهو حديث ثابت، والطعن فيه طعن في صحيح مسلم، وطعن في رواة الصحيحين، وقد
رواه الإمام أحمد وأهل السنن من طرق عن سعد بن سعيد بن قيس أخو يحيى بن
سعيد، وهو من العلماء المشهورين، وقد روى عن ستة عشر من الصحابة
والتابعين، وروى عنه تسعة وعشرون من العلماء، منهم شعبة، والثوري، وابن
عيينة، وابن المبارك، وابن جرير، وأخوه يحيى بن سعيد، وكلهم وثقوا به
وتقبلوا روايته، وهذا الحكم لم يتفرد به أبو أيوب، فهناك حديث عن ثوبان
رضي الله عنه رواه الإمام أحمد برقم (22412)، وابن ماجة (1715)، وابن حبان
كما في الإحسان (367)، والطبراني في مسند الشاميين (903)، والدارمي
(1755)، والنسائي في الكبرى (2860)، وابن خزيمة في صحيحه (2115)، والطحاوي
في مشكل الآثار (2348)، والطبراني في الكبير (1451)، والبيهقي (4/293)،
والخطيب في التاريخ (200/362)، وصححه ابن حبان وابن خزيمة، ولما روى ابن
حبان حديث أبي أيوب قال: (ذكر الخبر المدحض قول من زعم أن هذا الخبر تفرد
به عمر بن ثابت، ولفظه: "من صام ستة أيام بعد الفطر كان تمام السنة، من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها"، وروى الحديث أيضًا أبو هريرة عند البزار (1060) عن العلاء بن عبدالرحمن عن أبيه عن أبي هريرة، ولفظه: "من صام رمضان وأتبعه بست من شوال فكأنما صام الدهر"، ثم رواه أيضًا برقم (1061) عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة).
وذكره
الهيثمي في مجمع الزوائد (3/183) وقال: رواه البزار وله طرق رجال بعضها
رجال الصحيح، وقد رواه الإمام أحمد برقم (14302)، (14710)، (14477)، وصححه
المحقق، ورواه أيضًا البزار كما في كشف الأستار رقم (1062) عن أبي زرعة عن
عمر بن جابر الحضرمي عن جابر، ولفظه: "من صام رمضان وست من شوال كان كصيام الدهر"، وهو عند الإمام أحمد في الموضع السابق ورواه عبد بن حميد (1116)، والبيهقي (4/292).
وهذه
الأحاديث دالة على شهرة هذه السنة، وكثرة من رواها، فلم ينفرد بها سعد بن
سعيد، وأما العلة الثانية فإن النبي صلى الله عليه وسلم إنما نهى أن يتقدم
أحد رمضان بصوم يوم أو يومين، حتى لا يختلط رمضان بشعبان، ومع ذلك فقد ثبت
أنه قال لرجل: "هل صمت من سرر هذا الشهر شيئًا" يعني من شعبان يعني من آخره، قال: لا، قال:"فإذا أفطرت فصم يومين"،وفي
الصحيح عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يكثر من الصيام في شعبان، كان يصوم شعبان إلا قليلاً ولم يرد أنه نهى عن
الصيام في شوال، وأما العلة الثالثة، فلم يثبت أنه صلى الله عليه وسلم لم
يصمه، ولا ثبت أنه نهى عنها، ولا ثبت عن أحد من الصحابة إنكارها، ولا عن
أحد من التابعين، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يسرد الصيام حتى يقول
القائل لا يفطر، وإذا خفيت هذه السنة على مالك فقد عرفها غيره من العلماء،
وكم من سنة خفيت على مالك وأبي حنيفة، كخيار المجلس وغيره، وإذا ثبتت في
الأحاديث فلا عبرة بمن أنكرها. والله أعلم.