المجاهد الزاهد
:
سعيد
بن زيد رضى الله عنه
سعيد
بن زيد بن عمرو بن نُفَيْل العدوي القرشي
، أبو الأعور
، من خيار
الصحابة
ابن عم عمر بن الخطاب
،
وأخته عاتكة زوجة عمر
، ولد بمكة عام ( 22
قبل
الهجرة ) وهاجر الى المدينـة، شهد المشاهد كلها إلا بدرا
لقيامه
مع طلحة بتجسس خبر العير ، وهو أحد العشرة المبشرين
بالجنة
،
كان من السابقين الى الإسلام هو وزوجته أم جميل (
فاطمة
بنت الخطـاب )
.
والده زيد بن عمرو
:
·
كَانَ
وَالِدُهُ زَيْدُ بنُ عَمْرٍو مِمَّنْ فَرَّ إِلَى اللهِ مِنْ عِبَادَةِ
الأَصْنَامِ، وَسَاحَ فِي أَرْضِ الشَّامِ يَتَطَلَّبُ الدِّيْنَ
القَيِّمِ، فَرَأَى النَّصَارَى وَاليَهُوْدَ، فَكَرِهَ دِيْنَهُمْ،
وَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي عَلَى دِيْنِ إِبْرَاهِيْمَ، وَلَكِنْ لَمْ
يَظْفَرْ بِشَرِيْعَةِ إِبْرَاهِيْمَ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- كَمَا
يَنْبَغِي، وَلاَ رَأَى مَنْ يُوْقِفُهُ عَلَيْهَا
.
وَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّجَاةِ،
اعتزل
الجاهليـة وحالاتها ووحّـد اللـه تعالى بغيـر واسطـة حنيفيـاً
.
فَقَدْ شَهِدَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِأَنَّهُ: يُبْعَثُ أُمَّةً وَحْدَهُ
·
عن
أسماء بنت أبي بكر قالت : لقد رأيت زيد بن عمرو بن نفيل قائماً مسنداً
ظهره إلى الكعبة يقول : يا معشر قريش ! والله ما فيكم أحدٌ على دين
إبراهيم غيري .
·
وكان يحي الموؤودة ، يقول للرجل إذا أراد أن يقتل ابنته : مه ! لا تقتلها
،
أنا أكفيك مؤنتها ، فيأخذها ، فإذا ترعرعت ، قال لأبيها : إن شئت ، دفعتها إليك ،وإن شئت ، كفيتك مؤنتها.
·
وَهُوَ
ابْنُ عَمِّ الإِمَامِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، رَأَى النَّبِيَّ -صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَمْ يَعِشْ حَتَّى بُعِثَ. ·
قَالَ
سَعِيْدٌ: فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! إِنَّ أَبِي كَانَ كَمَا قَدْ
رَأَيْتَ وَبَلَغَكَ، وَلَو أَدْرَكَكَ لآمَنَ بِكَ وَاتَّبَعَكَ،
فَاسْتَغْفِرْ لَهُ. قَالَ: (نَعَم، فَأَسْتَغْفِرُ لَهُ، فَإِنَّهُ
يُبْعَثُ أُمَّةً وَحْدَهُ).
إسلامه:
أَسْلَمَ سَعِيْدٌ قَبْلَ دُخُوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَارَ الأَرْقَمِ.
دوره فى غزوة بدر
لَمَّا
تَحَيَّنَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وُصُوْلَ
عِيْرِ قُرَيْشٍ مِنَ الشَّامِ، بَعَثَ طَلْحَةَ وَسَعِيْدَ بنَ زَيْدٍ
قَبْلَ خُرُوْجِهِ مِنَ المَدِيْنَةِ بِعَشْرٍ، يَتَحَسَّسَانِ خَبَرَ
العِيْرِ، فَبَلَغَا الحَوْرَاءَ، فَلَمْ يَزَالاَ مُقِيْمَيْنِ هُنَاكَ
حَتَّى مَرَّتْ بِهِمُ العِيْرُ، فغير أبو سفيان طريقه
.
فَبَلَغَ
نَبِيَّ اللهِ الخَبْرُ قَبْلَ مَجِيْئِهِمَا، فَنَدَبَ أَصْحَابَهُ
وَخَرَجَ يَطْلُبُ العِيْرَ ، وَسَارُوا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، وَرَجَعَ
طَلْحَةُ وَسَعِيْدٌ لِيُخْبِرَا، فَوَصَلاَ المَدِيْنَةَ يَوْمَ
الوَقْعَةِ، فَخَرَجَا يَؤُمَّانِهِ. وَضَرَبَ لَهُمَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِسَهْمِهِمَا وَأُجُوْرِهِمَا
وَشَهِدَ سَعِيْدٌ أُحُداً، وَالخَنْدَقَ، وَالحُدَيْبِيَةَ، وَالمَشَاهِدَ.
بشرى بالشهادة و الجنة
:
عَنْ سَعِيْدِ بنِ زَيْدٍ -: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
(اسْكُنْ حِرَاءُ! فَمَا عَلَيْكَ إِلاَّ نَبِيٌّ، أَوْ صِدِّيْقٌ، أَوْ شَهِيْدٌ).
وَعَلَيْهِ النَّبِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ،
وَعَلِيٌّ، وَطَلْحَةُ، وَالزُّبَيْرُ، وَسَعْدٌ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ،
وَسَعِيْدُ بنُ زَيْدٍ.
روي عن سعيد بن زيد أنه قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- :
( عشرة من قريش في الجنة ، أبو بكر ، وعمر ،
وعثمان ، وعليّ ، وطلحة ، والزبير ، وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن مالك (
بن أبي وقاص ) ، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نُفَيل ، و أبو عبيدة بن الجراح
) دعوته المستجابة
:
روى
أَنَّ أَرْوَى بِنْتَ أُوَيْسٍ ادَّعَتْ أَنَّ سَعِيْدَ بنَ زَيْدٍ أَخَذَ
شَيْئاً مِنْ أَرْضِهَا، فَخَاصَمَتْهُ إِلَى مَرْوَانَ.
فَقَالَ سَعِيْدٌ
: أَنَا كُنْتُ آخُذُ مِنْ أَرْضِهَا شَيْئاً بَعْدَ الَّذِي سَمِعْتُ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ: سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ:
(مَنْ أَخَذَ شَيْئاً مِنَ الأَرْضِ طُوِّقَهُ إِلَى سَبْعِ أَرَضِيْنَ).
قَالَ مَرْوَانُ:
لاَ أَسَأَلُكَ بَيِّنَةً بَعْدَ هَذَا
.
فَقَالَ سَعِيْدٌ
: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَتْ كَاذبَةً فَأَعْمِ بَصَرَهَا، وَاقْتُلْهَا فِي أَرْضِهَا.
فَمَا مَاتَتْ حَتَّى عَمِيَتْ، وَبَيْنَا هِيَ تَمْشِي فِي أَرْضِهَا إِذْ وَقَعَتْ فِي حُفْرَةٍ فَمَاتَتْ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَازِمٍ فِي حَدِيْثِهِ:
سَأَلَتْ أَرْوَى سَعِيْداً أَنْ يَدْعُوَ لَهَا، وَقَالَتْ: قَدْ ظَلَمْتُكَ.
فَقَالَ: لاَ أَرُدُّ عَلَى اللهِ شَيْئاً أَعْطَانِيْهِ.
دوره فى الشورى:
لَمْ
يَكُنْ سَعِيْداً مُتَأَخِّراً عَنْ رُتْبَةِ أَهْلِ الشُّوْرَى فِي
السَّابِقَةِ وَالجَلاَلَةِ، وَإِنَّمَا تَرَكَهُ عُمَرُ -رَضِيَ اللهُ
عَنْهُ- لِئَلاَّ يَبْقَى لَهُ فِيْهِ شَائِبَةُ حَظٍّ، لأَنَّهُ خَتَنُهُ
وَابْنُ عَمِّهِ، وَلَوْ ذَكَرَهُ فِي أَهْلِ الشُّوْرَى لَقَالَ
الرَّافِضِيُّ: حَابَى ابْنَ عَمِّهِ، فَأَخْرَجَ مِنْهَا وَلَدَهُ
وَعَصَبَتَهُ. فَكَذَلِكَ فَلْيَكُنِ العَمَلُ لِلِّهِ.
ولايته دمشق
:
َشَهِدَ
سعيد بن زيد حِصَارَ دِمَشْقَ، وَفَتَحَهَا، فَوَلاَّهُ عَلَيْهَا أَبُو
عُبَيْدَةَ بنُ الجَرَّاحِ، فَهُوَ أَوَّلُ مَنْ عَمِلَ نِيَابَةَ
دِمَشْقَ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ.
ثم نهض مع مَنْ معه للجهاد ، فكتب إليه سعيد :
( أما بعد ، فإني ما كنت لأُوثرَك وأصحابك
بالجهاد على نفسي وعلى ما يُدْنيني من مرضاة ربّي ، وإذا جاءك كتابي فابعث
إلى عملِكَ مَنْ هو أرغب إليه مني ، فإني قادم عليك وشيكاً إن شاء الله
والسلام ) الخلافة و المبايعة
:
كَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى مَرْوَانَ وَالِي المَدِيْنَةِ لِيُبَايِعَ لابْنِهِ يَزِيْدَ.
فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ جُنْدِ الشَّامِ:
مَا يَحْبِسُكَ؟
قَالَ
:
حَتَّى يَجِيْءُ سَعِيْدُ بنُ زَيْدٍ فَيُبَايِعُ، فَإِنَّهُ سَيِّدُ أَهْلِ البَلَدِ، وَإِذَا بَايَعَ بَايَعَ النَّاسُ
.
قَالَ:
أَفَلاَ أَذْهَبُ فَآتِيْكَ بِهِ؟.
وجاء الشامـي وسعيد مع أُبيّ في الدار ، قال :
( انطلق فبايع )
،
قال :
(انطلق فسأجيء فأبايع)
فقال :
( لتنطلقنَّ أو لأضربنّ عنقك )
،
قال :
( تضرب عنقي ؟ فوالله إنك لتدعوني إلى قوم وأنا قاتلتهم على الإسلام )
،
فرجع إلى مروان فأخبره ، فقال له مروان
اسكت )
وماتت أم المؤمنين ( أظنّها زينب ) فأوصت أن يصلي عليها سعيد بن زيد ، فقال الشامي لمروان:
( ما يحبسُك أن تصلي على أم المؤمنيـن ؟)
،
قال مروان :
( أنتظر الذي أردت أن تضرب عنقـه ، فإنها أوصت أن يُصلي عليها )
،
فقال الشامي :
(
أستغفر الله
)
المجاهد الزاهد
:
1.
كان
سعيد بن زيد
محبوباً
من النبي صلى الله عليه وسلم. وظل يجاهد معه عليه الصلاة والسلام حتى لحق
النبي بالرفيق الأعلى فواصل جهاده مع الخلفاء الراشدين حتى وافته المنية
في عهد معاوية بن أبي سفيان.
2.
وفي
عهد عمر بن الخطاب شهد موقعة اليرموك وفتح دمشق وأبلى في المعارك بلاءً
حسناً. وحين سأل عمر بن الخطاب أبا عبيدة بن الجراح عن أحواله بعث إليه
بكتاب جاء فيه: أما عن أخويك سعيد بن زيد ومعاذ بن جبل فكما عهدت. إلا أن
السواد زادهما في الدنيا زهداً وفي الآخرة رغبة.
3.
وأسهم
مع المسلمي في استلال عرش (( كسرى )) وتقويض ملك (( قيصر )),
وكانت
له في كل موقعة خاض غمارها المسلمون مواقفُ غرٌّ مشهودةٌّ , وأياد بيض محمودة
.
4.
و هو قائد الفرسان يوم
((
أجنادين
))
و
كان من أشد الناس و هو الذي أشار على خالد ببدء القتال يوم أجنادين لما
رمى الروم المسلمين بالنشاب فصاح سعيد بن زيد بخالد قائلاً : علام نستهدف
لهؤلاء العلوج –أي الكفار- وقد رشقونا بالسهام حتى شمست-أي امتنعت- الخيل
؟ فأقبل خالد الى خيا
لة
المسلمين و قال لهم : احملوا –رحمكم الله- على اسم الله و حمل خالد على الروم و حمل المسلمون معه حتى انتصروا بأمر الله.
5.
ولعل
أروع بطولاته, تلك التي سجلها يوم (( اليرموك )), فلنترك له الكلام
ليقص
علينا طرفاً من خبر ذلك اليوم
.
قال
سعيد بن زيد
:
لما
كان يوم (( اليرموك )) كنا أربعاً وعشرين ألفاً أو نحواً من ذلك, فخرجت
لنا
الروم بعشرين ومائة ألف , وأقبلوا علينا بخطى ثقيلة كأنهم الجبال تحركها
أيدٍ
خفيةٌ, وسار أمامهم الأساقفة والبطارقة والقسِّيسون يحملون الصلبان وهم يجهرون
بالصلوات
؛ فيرددها الجيش من ورائهم وله هزيم كهزيم الرعد
.
فلما
رآهم
المسلمون
على حالهم هذه, هالتهم كثرتهم, وخالط قلوبهم شيءٌ من خوفهم.
عند
ذلك
قام
أبو عبيدة بن الجراح يحض المسلمين على القتال , فقال :
عباد
الله, انصروا
الله
ينصركم ويثبت أقدامكم
.
عباد
الله, اصبروا فإن الصبر منجاة من الكفر,
ومرضاة
للرب ومدحضة للعار وأشرعوا الرماح, واستتروا بالتروس, والزموا الصمت إلا من
ذكر
الله عز وجل في أنفسكم, حتى آمركم إن شاء الله.
قال
سعيد :
عند
ذلك, خرج
رجل
من صفوف المسلمين وقال لأبي عبيدة: إني
أزمعت على أن أقضي أمري الساعة, فهل
لك
من رسالة تبعث بها إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ؟!
فقال
أبو عبيدة :
نعم
،
تقرئه مني ومن المسلمين السلام , وتقول له:
يا
رسول الله, إنا وجدنا ما
وعدنا
ربنا حقاً
.
قال
سعيد : فما إن سمعت كلامه ورأيته يمتشق حسامه, و يمضي
إلى
لقاء أعداء الله, حتى اقتحمت إلى الأرض,
وجثوت
على ركبتي, و أشرعت رمحي
وطعنت
أول فارس أقبل علينا, ثم وثبت على العدو وقد انتزع الله كل ما في قلبي من
الخوف
فثار الناس في وجوه (( الروم )) وما زالوا يقاتلونهم حتى كتب الله للمؤمنين
النصر
.
6.
شهد
سعيد بن زيد بعد ذلك فتح (( دمشق )), فلما
دانت
للمسلمين بالطاعة, جعله أبو عبيدة بن الجراح والياً عليها ,
وعندما توفي عمر بن الخطاب رضي الله عنه بكاه سعيد بن زيد بشدة فقيل له: ما يبكيك؟ قال: لا يبعد الحق وأهله. اليوم يهن أمر الإسلام.
فكان
أول
من
ولي إمرة (( دمشق )) من المسلمين .
غير
أنه
كان
زاهداً
في
الحكم
كما
هو
زاهد
في
المال
.
فكتب
إلى
أبي
عبيدة
وهو
في
الأردن
يعتذر
عن
عدم
الاستمرار
في
المنصب
ويطلب
اللحاق
به
للجهاد
.
فلما
بلغ
الكتاب
أبا
عبيدة
استجاب
لرغبته
.
وفاته
:
وَقَالَ
إِسْمَاعِيْلُ بنُ أُمَيَّةَ: عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: مَاتَ سَعِيْدُ بنُ
زَيْدٍ وَكَانَ يَذْرَبُ، فَقَالَتْ أُمُّ سَعِيْدٍ لِعَبْدِ اللهِ بنِ
عُمَرَ: أَتُحَنِّطُهُ بِالمِسْكِ؟ فَقَالَ: وَأَيُّ طِيْبٍ أَطْيَبُ مِنَ
المِسْكِ؟ فَنَاوَلَتْهُ مِسْكاً.
عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ سَعْدٍ قَالَتْ:
مَاتَ سَعِيْدُ بنُ زَيْدٍ بِالعَقِيْقِ
بالمدينة سنة ( 51 هـ )
، وهو ابن بضع وسبعين سنة،
فَغَسَّلَهُ سَعْدُ بنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَكَفَّنَهُ، وَخَرَجَ مَعَهُ.
ودخل قبره سعد بن
أبي وقاص وعبد الله بن عمر -
رضي الله عنهم أجمعين-
.