عزفَت على أوتارِ قلبيَ |
من لُحونِكَ يا وطنْ . |
كالصُّبحِ جاءَت مِن بعيدٍ |
بعدَ ليلٍ |
كانَ سافرَ فِي فضاءَاتِ المجرَّةِ |
حامِلاً كُلَّ النُّجومِ |
لترسمَ الفجرَ الجمِيلَ على عُيونِ القَلبِ |
حيثُ غَفَت على كتِفِ الظَّلامِ |
و داعَبَت حُلُماً تبرعَمَ فِي الجوانِحِ |
مُنذ آلافِ السِّنينْ. |
جاءت " شَجَنْ " . |
جاءَت لتَبعثَ موتَ أَزهَارِي التي شاخَت ، |
و عاثَت فِي حدائِقِها الرِّياحْ . |
جاءت بأغنِيَةِ الصَّباحْ : |
" قُم يا وطَنْ ." |
قُم فاغسِلِ الوجهَ الذي نَقَشَت عليهِ |
ـ برِيشةِ القَهرِ ـ الضَّياعَ |
يدُ الزمنْ . |
قُم فاقتُلِ الموتَ الذي فِي القلبِ يبنِي عُشَّهُ . |
و على نِياطِ القلبِ يُعلِنُ سطوةَ النمرُوذِ |
حِينَ يعِيثُ فِي كُلِّ البَدَنْ . |
فاحت مِن الأَطرافِ |
مُنذ غدت لتمّوزَ الفرِيسةَ |
و الحبِيسةَ |
ـ يا فتى الأَحلامِ ـ |
رائحةُ العَفَنْ . |
ما لي أَراكَ و قد تحجَّرَ وجهُكَ المروِيُّ |
مِن نهرِ الحَيَاءِ |
تسمَّرَت قدماكَ |
و ارتَعَدَت يَدَاك َ |
و أَنتَ تحمِلُ بعضَ جُرحِي يا حبِيبِي |
قد عرفتُكَ شامِخاً كالنَّخلِ |
تضرِبُ فِي الثَّرى جِذراً |
و في أُفقِ السَّماءِ يُسافرُ السَّعَفُ الأَبيُّ |
لكي يُلامِسَ نجمةً . |
لا تستَبِيكَ الرِّيحُ رغمَ عُتُوِّها. |
لا يسكُنُ الخوفُ العُروقَ |
و لا مدائِنُ عينِكَ البحرِيةُ الشمَّاءُ |
عاثَ بها الوَهَنْ . |
أنا مِنكَ ، |
أَنتَ بناظِريَّ حدائِقُ الرمَّانِ و الليمُونِ ، |
في جفنيكَ أَهرُبُ مِن جحيمِ الطائِراتِ |
فتُطبِق الأَهدابَ |
تحمِي لائِذاً بِتُرابِكَ الذَّهَبيِّ |
تمتشقُ الحسامَ |
تصُبّ لي كأساً من الشهدِ الزلالِ |
فيمَّحِي في داخلي لونُ الحَزَنْ . |
أنا مِنكَ أُغنِيةٌ صَداها قد تَردَّدَ |
في فضاءِ الكونِ |
أَنتَ لِيَ السَّكنْ . |
جاءت شَجَنْ . |
جاءت و في اليُمنَى شُموعٌ |
أَوقَدَتها مِن لهِيبِ الإِنتِظارِ |
و باليَسارِ |
تناولَت عُشبَ الرَّبِيعِ هَدِيَّةً للجدبِ |
في قلبٍ جَفَتهُ الهاطِلاتُ |
و عربَدَت فيه الإحَنْ . |
صنعَت مِن الحُزنِ المُخيِّمِ في العُيونِ.. |
مراكِباً للشَّمسِ |
قالت جُملَتَينِ و سَافَرَتْ |
كنسِيمِ صُبحٍ ، |
و ارتَقَت |
دَرَجاً إلى العلياءِ حيثُ مكانُها |
لِتشِعَّ في أرضِ الخطِيئةِ شمسُها |
و تُميطَ عنها مِن أَذى من عربدوا |
بشَمالِها و جنوبِها . |
قالت كُليماتٍ : |
سأتركُ فِيكُمُ النُّورَ الذي أَرسلتُهُ لظلامِكُم |
فلتَهنأوا. |
و سأتركُ البحرَ الذي عَشِقَتهُ أَجنحةُ النَّوارِسِ |
هادِئا . |
والموجُ يلثُمُ فِي اشتِياقِ مُسافرٍ لذَوِيهِ |
من بعدِ الرُّجوعِ مرافِئا . |
و يُعاقِرُ الربَّانَ |
و الحِيتانَ و الجُزرَ البعيدةَ والسُّفنْ . |
جاءت شَجَن . |
جاءت كبَرقٍ خَاطِفٍ خَلَبَ العُيُونَ |
و سافَرَت نحوَ البعِيدْ . |
نقَشَت رِسالتَها الأَخيرةَ من دُموعِ القلبِ |
قالت : لَن أَعُودْ . |
طارَت كَعُصفُورٍ طَلِيقٍ |
بيدَ أَنَّ أَرِيجَهَا |
و صَدَى حدِيثٍ مُمعِنٍ فِي الصِّدقِ |
باقٍ فِي الفُؤَادِ |
و خالِدٌ عبرَ الزَّمنْ . |