بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله،
أما بعد؛ فهذا بحث مختصر عن حكم التكبير في عيد الفطر فأقول وبالله التوفيق :
اختلف العلماء رحمهم الله في هذه المسألة على ثلاثة أقوال :
القول الأول : أن التكبير في عيد الفطر مستحب وهذا مذهب أبي حنيفة في رواية عنه ومذهب مالك والشافعي وأحمد ..
واستدلوا بما يلي : 1- قوله تعالى (( ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ))
قال الشافعي رحمه الله في الأم 2/486 :
سمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن يقول : لتكملوا عدة صوم شهر رمضان
وتكبروا الله عند إكماله على ما هداكم، وإكماله مغيب الشمس من آخر يوم من
أيام شهر رمضان ا.هـ
2- ما رواه البخاري في صحيحه (971) من حديث أم عطية قالت (( كنا نؤمر أن نخرج يوم العيد حتى نخرج
البكر من خدرها , حتى نخرج الحيض فيكن خلف النساء فيكبرن بتكبيرهم ويدعون بدعائهم , يرجون بركة ذلك اليوم وطهرته))
وفي رواية عند مسلم(890) .. (( كنا نؤمر بالخروج في العيدين والمخبأة والبكر . قالت : الحيض يخرجن فيكن خلف الناس يكبرن مع الناس ))
قال ابن رجب في فتح الباري (6/134) : وفي الحديث دليل على أن إظهار
التكبير للرجال مشروع في يوم العيد ولولا إظهاره من الرجال لما كبر النساء
خلفهم بتكبيرهم . ا.هـ
وقال النووي في شرح صحيح مسلم 4/199 : وقولها يكبرن مع الناس دليل على استحباب التكبير في العيدين لكل أحد ..
3- ما رواه ابن أبي شيبة من حديث الزهري قال : ( كان رسول الله صلى الله
عليه وسلم يخرج يوم الفطر فيكبر حتى يأتي المصلى وحتى يقضي الصلاة فإذا
قضى الصلاة قطع التكبير )
والحديث صححه الألباني بشواهده موقوفا على ابن عمر ومرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم
انظر الإرواء (650) والصحيحة (171) .
قال الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة 1/331 : وفي الحديث دليل على مشروعية ما جرى عليه عمل المسلمين من التكبير جهرا
في الطريق إلى المصلى , وإن كان كثيرا منهم بدؤوا يتساهلون بهذه السنة ,
حتى كادت أن تصبح في خبر كان , وذلك لضعف الوازع الديني منهم وخجلهم من
الصدع بالسنة والجهر بها ...
القول الثاني : أن التكبير في عيد الفطر واجب
وهذا القول رواية عن أحمد ذكرها ابن رجب في الفتح وهو مذهب أهل الظاهر
وحكاه بعض العلماء عن سعيد وعروة ... وابن حزم يرى الوجوب في ليلة العيد
دون يومه ...
قال ابن قدامة في المغني 3/255 : وقال داود : هو واجب في الفطر لظاهر
الآية . ولنا , أنه تكبير في عيد , فأشبه تكبير الأضحى , ولأن الأصل عدم
الوجوب , ولم يرد من الشرع إيجابه , فيبقى على الأصل , والآية ليس فيها
أمر , إنما أخبر الله تعالى عن إرادته , فقال (( يريد الله بكم اليسر ولا
يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ))
القول الثالث : أن التكبير في عيد الفطر غير مشروع وهو المشهور من مذهب أبي حنيفة , نقله عنه جمع من أهل العلم منهم
ابن هبيرة والقرطبي وابن تيمية وابن كثير وخلق كثير من أهل العلم , لكن
ابن عابدين الحنفي في حاشيته نفى أن يكون هذا مذهباً لأبي حنيفة وسمى
عشرين كتابا من كتب الأحناف لم تذكر هذا المذهب عنه وأفاد أن الخلاف على
أبي حنيفة إنما هو في الجهر أو الإسرار بالتكبير لا في مشروعيته ..
واستُدل لمذهبه بما رواه ابن أبي شيبة (5629) : عن ابن عباس، قال شعبة
مولى ابن عباس: كنت أقود ابن عباس يوم العيد، فيسمع الناس يكبرون، فقال:
ما شأن الناس ؟ قلت: يكبرون، قال: يكبرون !! قال: يكبر الإمام ؟ قلت: لا،
قال: أمجانين الناس ) .. وهذا الأثر فيه شعبة مولى ابن عبّاس متكلمٌ فيه
من جهة حفظه .
الراجح : بعد عرض الأقوال وأدلتها ظهر لي ترجيح القول الأول القاضي باستحباب التكبير في عيد الفطر .
فرع أول : متى يبدأ وقت التكبير ؟
للعلماء في هذه المسألة قولان :
الأول : يبدأ التكبير من غروب الشمس ليلة العيد وهذا مذهب الشافعي ورواية عن أحمد اختارها شيخ الإسلام وابن عثيمين
جاء في مسائل ابن هانئ لأحمد (1/94) قال: قلت: فترى أن يكبر من ساعة الإفطار من المغرب؟ قال: كان ابن عمر يكبر إذا صلى العشاء..
قال الماوردي في كتابه الحاوي الكبير : فأمر بالتكبير بعد إكمال الصوم
وذلك لغروب الشمس من ليلة شوال فاقتضى أن يكون ذلك أول زمان التكبير . ا.هـ
وقد نقض النووي في كتابه المجموع( 5/32) هذا الاستدلال فقال : وهذا
الاستدلال لا يصح إلا على مذهب من يقول أن الواو تقتضي الترتيب وهو مذهب
باطل , وعلى هذا المذهب الباطل لا يلزم من ترتيبها الفور.
واستدل لهم بما رواه ابن جرير في تفسيره (2/157): حدثني يونس قال أخبرنا
بن وهب قال: قال بن زيد كان بن عباس يقول: حق على المسلمين إذا نظروا إلى
هلال شوال أن يكبروا الله حتى يفرغوا من عيدهم لأن الله تعالى ذكره يقول
ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم .
والأثر فيه عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ضعفه أحمد وابن معين وابن المديني وأبو زرعة وغيرهم.
وقال الفاكهي في أخبار مكة (1703) حدثنا محمد بن أبي عمر قال ثنا سفيان في
قوله تعالى { ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم } قال: نرجو أن
يكون التكبير ليلة الفطر، وزعم المكيون أنهم رأوا مشايخهم يكبرون ليلة
الفطر إلى خروج الإمام يوم العيد ويظهرون التكبير ويرونه سنة وهم على ذلك
اليوم.
القول الثاني : يكبر عند الغدو إلى الصلاة،وهو مذهب ابن عمر وجماعة من الصحابة والتابعين وبه قال مالك وأحمد في رواية وإسحاق
وأبو ثور.
واستدلوا بمرسل الزهري السابق (كان صلى الله عليه وسلم يخرج يوم الفطر
فيكبر حتى يأتي المصلى، وحتى يقضي الصلاة، فإذا قضى الصلاة ؛ قطع التكبير)
وقالوا لو كان من هديه صلى الله عليه وآله وسلم التكبير في ليلة الفطر لنقل إلينا
قلت : أما مرسل الزهري فليس فيه نفي التكبير ليلة الفطر , وأما قولهم أنه
لو كان من هديه صلى الله عليه وآله وسلم التكبير في ليلة الفطر لنقل إلينا
, فليس عدم النقل نقلا للعدم .
الراجح : بعد عرض الأقوال وأدلتها ظهر لي قوة القول الأول وان كان الأمر في ذلك واسعاً
وأما نهاية وقت التكبير فعند الشافعية ينتهي بالإحرام الصلاة وعند
الحنابلة ينتهي بالفراغ من الخطبة , وقيل ينتهي بمجيء الإمام وقيل حتى
يأتي المصلى وهذا ضعيف لحديث أم عطية .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى( 24/221) : والتكبير فيه – أي عيد
الفطر – أوله من رؤية الهلال وآخره انقضاء العيد , وهو فراغ الإمام من
الخطبة . ا.هـ
قلت والأقوال في هذا متقاربة , وان كان القول بأنه ينتهي بخروج الإمام
أقيس .لكن لا يصلح أن يستمر الناس في التكبير بعد الانتهاء من الصلاة لأن
النبي صلى الله عليه وسلم يقطع التكبير بانتهاء الصلاة .
فرع ثان : هل التكبير في عيد الفطر آكد منه في الأضحى أم العكس ؟
قيل إن التكبير في الفطر آكد لأن الله نص عليه في القرآن بخلاف الأضحى فإن أدلته عامة وهذا مذهب الشافعي الجديد والإمام أحمد
قال عبد الله في سؤالا ته لأبيه : قرأت على أبي إذا خرج الناس يوم الفطر ويوم النحر يكبرون ؟ قال : يوم الفطر أشد.
وقيل بالتسوية واختار هذا القول الصنعاني , وثمة قول ثالث اختاره ابن تيمية كما في الفتاوى المصرية فقال :
التكبير في الفطر اوكد لكونه أمر الله به, وفي النحر أوكد من جهة أنه يشرع في أدبار الصلوات ومتفق عليه ويجتمع فيه المكان والزمان
والله أعلم وأحكم , وصلى الله وسلم على نبينا محمد ,,,,,,,,,,,,,,,,,
م ن ق و ل لأيفاده